التطريز والزي الفلسطيني التقليدي
التطريز هو فن الزخرفة على القماش باستخدام الإبرة والخيط، يزين بعض الأحيان بالخرز والصدف والعملات. وارتبط التطريز بالريف الفلسطيني ومناطق البداوة في النقب، وكان يستخدم لتزيين ملابس النساء الفلاحات والبدويات.ويشمل الثوب والعباءة والسراويل وأغطية الرأس كالوقاة والعراقية والصفة والشطوة والبرقع البدوي، وكان التطريز يزين منطقة الصدر، وهي القبة والاكتاف والجوانب والأكمام في الثوب، ثم العروق التي تزين مقدمة الثوب وحاشيته، وتميزت كل منطقة بأسلوبها الخاص في التصميم. ويجدر الاشارة الى أن اقدم الشواهد الاثرية على الملابس الملونة للنساء في فلسطين اكتشفت في مقابر بني حسن في مصر لقافلة تجارية من الكنعانيين في طريقهم الى مصر، ويعود تاريخها للألف الثاني ق.م. وظهرت بألوان زاهية.
اعتبرت الغرزة المُصَلبة الأوسع استخداماً والأكثر ارتباطاً بفلسطين، وهي تعرف بالقطبة الفلاحية التي أصبحت الأوسع انتشاراً في نهاية القرن التاسع عشر. ومر التطريز بتغيرات في أنماطه وموضوعاته وتصاميمه وألوانه عبر الزمن نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية. وكان التطريز يتم باستخدام خيوط الحرير والذهب والفضة على أقمشة محلية منسوجة يدوياً، تتخللها فتحات مصنعة من القطن، والكتان والحرير المستورد من مصر وسوريا وانجلترا. وكانت بعض الأقمشة القطنية والصوفية تنتج محلياً في المجدل وغزة والناصرة وبيت لحم وبيت جالا. وغالباً ما كانت تتم صباغة الأقمشة والخيوط باستخدام الأصباغ الطبيعية، المستخلصة من النباتات والمواد الطيبيعية كنبته النيلة وصباغ دودة القز والقرمز.وتطورت التصاميم في القرن التاسع عشر من الأشكال الهندسية المجردة، مثل متوازي الأضلاع والنجمة الثمانيّة والمربعات، والأشكال المُنمّقة المستوحاة من النباتات والحيوانات المحلية، مثل السرو والنخيل والكرمة والعلّيق.
تركت التحولات السياسية والاقتصادية أثرها على التطريز في فترة الانتداب البريطاني مع استيراد أنواع مختلفة من الأقمشة الأوروبية ذات الجودة العالية المصنوعة من القطن والحرير والمخمل على نطاق واسع، مما أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي للأقمشة. ودخلت خيوط القطن دقيقة الغزل، مثل تلك المُصنَّعة من قبل الشركة الفرنسية DMC، في السوق الفلسطيني في العشرينات، وسرعان ما أصبحت أكثر شعبية من خيط الحرير السوري. أدخلت هذه الخيوط القطنية ألواناً جديدة على التطريز الفلسطيني السائد، و شاع استخدام الأشكال والمُجسمات الأكثر تعقيداً في الغرزة المُصَلبة خلال هذه الفترة، مثل الجِرار والأشكال البشرية والطيور. وتجلت التمايزات المناطقية في الأثواب المطرزة في نوع التطريز ومواضيعه وتنسيقه وألوان خيوط التطريز والأقمشة وطراز الثوب، كدليل على غنى هذا التراث وتنوعه. واشتهرت مناطق بيت لحم والخليل باستخدام التطريز "التحريري"، وهو تقنية تسمح بتشكيل نماذج متعرجة بخيوط القصب على شكل نباتات وأشكال تصويرية أخرى. ومن الغرز والتقنيات المستخدمة أيضاً التشريم والترقيع، وهي إضافة الأقمشة على القماش الأصلي، وحياكة الإبرة، والقيطان، وهو نسيج من الحرير أو القطن أو غيرهما يُبرَم فيكون كالحبل الدقيق، والتفريغ وسحب الخيوط. وتقدم الأثواب المتوفرة من بدايات القرن العشرين أدلة على استخدام غرز السلسلة، والساتان، والبطانية، وعظم السمكة، والعروة، وغيرها من الغرز. وتزينت بعض أثواب وعباءات منطقة الطيرة في الجليل بتصاميم جميلة للأزهار وأوراق الشجر مطرزة بخيوط حمراء وزرقاء على ملابس قطنية بيضاء. وظهرت أكثر أشكال التطريز دقّة وتعقيداً في بيت لحم والخليل ورام الله. وغالباً ما كانت الأثواب، وأغطية الرأس، والقبعات، والصدريات في هذه المناطق مغطاة بالتطريز الجميل الغني بمختلف أنواع الغرز، مع الاعتماد على الغرزة المصلَّبة بشكل رئيسي. وكانت بيت لحم تشتهر بقطبة التحريري، التي غالباً ما كانت تُستخدم فيها خيوط الذهب أو الفضة لتزيين الأثواب والسترات المخملية بزخارف غنية بأشكال نباتية أو بتصاميم على شكل حليّ.
وبعد نكبة عام 1948، حملت النساء الفلسطينيات تقاليد التطريز الى أرض المهجر، وحافظن عليه كجزء من الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني، وحمل ألوان العلم الفلسطيني وخارطة فلسطين، وتحول الى رمز للشعب الفلسطيني في فلسطين وأرض الشتات. وفي عام 2021 تم إدراج التطريز الفلسطيني بإسم "فن التطريز في فلسطين: الممارسات والمهارات والمعارف والطقوس" على لائحة روائع التراث الثقافي غير المادي في منظمة اليونسكو في مؤتمرها التاسع عشر في باريس.
المادة التاريخية مستخلصة من مقالة للكاتبة ديانا أبو علي بعنوان "التطريز الفلسطيني: إرث وطني ومتنوع". الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المتحف الفلسطيني. تاريخ الدخول 20/12/2023